المعتصم البوسعيدي
مَدخَل: صحيحٌ أنَّنا نعيشُ أجواءَ التأهُّلِ لكأسِ العالم، لكنَّ الذِّكرى أكبرُ من الأمنيات!
حين ظهر سيِّدُ الطوفان، الشهيد المُشتبِك يحيى السنوار -رحمهُ الله- ليتحدّث عن مستقبلِ الكيانِ الغاشم، بأنَّه سيكون في عزلةٍ، وسيلفظُهُ المجتمع في كلِّ أنحاءِ العالم، بعد أن ينكشفَ استبدادُه، ويتعرّى وجهُهُ القبيح، لم يكنْ هذا العالمُ متنبهًا إلى قراءةِ السنوار، حتى جاءَ اليوم الذي تنتفضُ فيه الشعوب الحرّة، وترى ما ترى وسطَ ازدواجيّةِ العالم في التعاطي مع القضيّةِ الفلسطينيّة، مقابلَ قضايا العالمِ الأخرى، ربما لأنَّ راعي الإرهاب (فيتو الوِيلات) المتحدة الأمريكيّة يُريدُ ذلك، ويدعمهُ بجنونِ العظمةِ وخُنوعِ الآخرين.
في الرياضةِ تتسعُ المدرجاتُ لمحبيها، وتتعاظمُ المشاهدةُ تحت هالةِ الضوءِ الإعلاميِّ الكبير. فخزائنُ "الفيفا" -مثلًا- ليس لها مثيل، وحلقاتُ الأولمبيادِ ذهبيّةٌ لامعة، حتى باتتِ البطولاتُ والمسابقاتُ الرياضيّةُ هدفًا لنُخَبِ الاقتصادِ والسياسةِ وغيرهم، فتجدُهم يتهافتونَ على مستطيلِ كرةِ القدم، أو ملاعبِ الكرةِ الصفراء، أو سلّةِ (NBA)، أو في مضاميرِ ألعابِ القوى... وهكذا ينتهزونَ الفرصةَ للثراء أو لتوصيلِ رسالتهم وغاياتِهم، الإيجابيةِ منها أو السلبية، على حدٍّ سواء.
وفي ظلِّ الأحداثِ المتسارعة، تحركتِ الضمائر، وتحولتِ البصائر، وكانتِ الرياضةُ في البدايةِ خجولةً صامتةً كحالِ صمتِ العالمين، حتى بدأ الصوتُ يعلو، والقلوبُ تحنو وتدنو، فرفرفَ العلمُ الفلسطينيُّ وكوفيةُ المقاومةِ في المدرجات، وصدحَ نجومُ الرياضةِ برفضِ الإبادةِ وجرائمِ الاحتلال؛ منهم العجوز الفرنسي كانتونا، أسطورةُ المان يونايتد، والإسباني بيب جوارديولا، فيلسوفُ التدريبِ العالمي، وملكُ السلةِ الأمريكيُّ كريم عبد الجبار، وقبلهم "بنزيما" نجمُ الاتحادِ السعودي وقائدُ كتيبةِ الريمونتادا المدريديةِ السابق، والمقاتلُ الشرسُ حبيب نورمحمدوف، والكثيرُ منهم ممن عبَّروا صراحةً عن دعمهم للحقِّ الفلسطيني أو استنكروا فظاعةَ الكيانِ اللقيط.
لم يقتصرِ الأمر على نجومِ الرياضة؛ بل توسعَ ليظهرَ التعاطفُ في المدرجات، مع استضافةِ المقهورين من أبناءِ الشعبِ الفدائي، بل وبلغَ حدَّ المطالبةِ بإبعادِ الرياضيين الصهاينةِ عن البطولاتِ والمسابقاتِ كحالِ الرياضيين الروس، على سبيل المثال. أمَّا مدرَّجاتنا العربيةُ ونجومُ رياضتِنا، فصمتٌ وقلَّةُ حديث، وخوفٌ من الضَّرر والضِّرار، وتقيدٌ بالمنعِ الذي ليس بمستغرَب؛ فنحن نعيشُ زمنَ الضعفِ والهوان، وبُنيانُنا لم يَعُد مرصوصًا، وجسدُنا ليس بالجسدِ الواحد، مع أننا رأينا محمد أبو تريكة -كعادته- يقولُ القولَ ويمضي، وشهدنا مواقفَ من هنا وهناك، ولكن بالمُقارنةِ مع انتفاضةِ العالمِ وتحرُّكِ المدرَّجات، فلسنا إلا نقطةً بيضاءَ لا تكادُ تُرى في صفحةٍ سوداء.
لم يكن مرورُ ذكرى طوفانِ الأقصى الثاني كمرورِ ذكرى العامِ الأول؛ ليس سكونًا مُطبِقًا، ولا تلعثمًا مُستغرِقًا، وفي الرياضةِ على وجهِ التحديد، صار الطوفانُ تأييدًا للحقِّ الفلسطيني بشكلٍ مُتنامٍ، وتضامنًا مُمتدًّا، والرياضةُ لسانُ حالها لافتةٌ رفعتها ذاتَ يومٍ جماهيرُ "غلطة سراي" التركي، تقول: "إن لم تكن القدسُ حرّة، فالعالمُ كلُّه سيبقى أسيرًا"... وبعدُ؛ "فلا نامت أعينُ الجبناء."
مخرج: منتخبنا الأول لكرةِ القدمِ يخوضُ أهمَّ مباراتين في تاريخه، المباراتانِ لُعبَتا خارجَ الملعب بشكلٍ كبير، لكن النتيجةَ يُحددها المستطيلُ الأخضر.